جدير بالقراءة: مداخل نسقية وتطبيقات منهجية

: إصدار جديد

جدير بالقراءة؛ مداخل نسقية وتطبيقات منهجية

يندرج هذا الكتاب ضمن مشروع بيداغوجي متعدد الوسائط لتوجيه الطلبة والباحثين إلى القراءة وتحفيزهم على الاقتراب من الكتاب، من خلال تقديم عشرة كتب من آخر إصدارات المطابع العربية، بأسلوب بسيط وسلس وببناء منهحي واضح ومحكم. حيث يجد القارئ نفسَه في غمرة إشكالات الكتاب وفي أتون، بل نعيم، قضاياه ورؤاه. كما يجد الطالب أوالباحث ذاتَه إزاءَ منهجية غير تقليدية في قراءة الكتب وتقديمها؛ في عصر أضحيْنا جميعا متعلقينَ بالصور ممتزجينَ بالشاشات، نقاوم بدَأب من أجل إعادة الكتاب إلى دائرة الاهتمام؛ وهو الهمّ المتمكن من هذا الكتاب وصاحبِه منذ سنوات مديدة.

           فمهما بدا الكتاب صعبا، ومهما وعرَت مسالك القضايا التي يعْبُرها والأدوات التي يعبّر بها، فإن “منهجية القراءة” التي نقترحها في هذا المضمار هي تيسيرُ فعل القراءة وتجديدُ النظر في آلياته، باعتماد مداخل قرائية نسقية ترنو إلى جعل المضامين الفكرية الصلْبة والصعْبة رؤى ناعمةً طائعةً… وسواء أكان الكتاب في الأدب ونقده، أم في الأنثربولوجيا والثقافة، أم في الإعلام والمجتمع؛ فإن المزاوجة بين القراءة العمودية والأفقية وتدبير عرض القضايا والأطروحات وتبئير طرح الرؤى والمواقف، وجعلها تطفو على سطح القراءة بيسر وسهولة، هو ما يمنح هذه المنهجية القرائية فاعليتَها وديناميتَها، بل وجاذبيتَها وتأثيرَها. حيث نفتتح كل قراءة بتأطير عام نعرض خلاله لسياق ظهور الكتاب والظروف العامة لتأليفه، مع التركيز على كل ما يجعله جديرا بالقراءَة حريّا بالمحاورَة، وذلك بتبئير الجديد الذي يقدمُه وتبيين الرهان الذي يرومُه.   ثم بعد ذلك ننتقل إلى عرض القضايا البانية لأطروحة الكتاب والإحاطة بمساراته الكبرى، وصبّها في قوالب إشكالية تحتفي بالتنوع والتحوّل وتقتفي آثار المعاني والمقاصد، ودعم تلك الخصوصية البحثية والنتائج النوعية التي يخطو في ظلالها الكتابُ وصاحبُه خَطْوهما نحو التحرر من التصورات النمطية والآراء الدائرة في الدراسات السابقة… وحين لا يُوَفّق المؤلف/المترجم في اختيار “عنوانات دالة” تتجرّأ القراءة على نحتها بالاقتباس من  تلك “الكلمات” النوعية للمؤلف ذاته أو عبر الاجتهاد في بناء “صوى” تيماتية مُضْمِرة للرؤى الراسخة في أنحاء فقرات الكتاب ومباحثه. ثم بعد ذلك تعتني “القراءة” بالنهايات عنايتها بالبدايات، فتجمع القول في الآفاق التي تدشّنها قراءة هذا الكتاب أمام القارئ، والخلاصات المهمة التي ينتهي إليها؛ وجماع القول في الإضافات النوعية ..التي يسبغها وجوده على هذا العالم. مما يجعل هذه القراءة “تقييما” لأي عمل نقرأه من منظور مختلف هو مدى التأثير وآفاقه وجرأة القراءة وجدواها

ومن هذا المنظور نراقب حركية بحثية مهمة تتأسس على ضفاف النقد والأدب والثقافة والإعلام، ارتأينا تقديم بعض من ثمراتها للطالب المبتدئ والباحث المتخصص، عسانا نجعل القراءة سبيلا للحياة وإضفاء بعضٍ من المعنى على هذا العالم المنذور لمزيد من الضياع والافتقاد. ولأن النقد الأدبي لا ينفصل عن “نصوصه الأولى” و”أسئلته الأولى” بل “ودهشته الأولى”؛ فإن إصدار كتاب “النقد الأدبي” لكارلوني وفيلو من جديد بعد أكثر من نصف قرن من إصداره الأول لَيعبّر عن وعي بأهمية التأصيل النقدي في بناء ثقافة أي مجتمع. حيث يتطارح المؤلفان أسئلة المنهج وقضايا العلْمية والموضوعية، ويتعقبان علاقات النقد بالفلسفة وبالإبداع وبالجمال. وهو ما يجعل الكتاب يحتفظ براهنية معجِبة، ويجعل قراءته “تجربة علمية مختلفة ومغامرة منهجية جديرة بالاكتشاف. ولأن “الكتابة النسوية” مغامرة نقدية كونية معزَّزَة بموقف نضالي محلّي، فإن كتاب “نساء في غرفة فرجينيا وولف” لسعاد العنزي يروم إنعاش المفاهيم النقدية والأفكار الإبداعية، ويتغيا إنصافا حقيقيا لفرجينيا وولف ومي زيادة، ومن خلالها كل كاتبة تُؤمن أن مستوى كتابة المرأة لا تنفصل عن مستوى وجودها؛ وهو ما يجعل هذا الكتاب حكاية مشوّقة جديرة بالقراءة، وجدارتها في استرسالها وتمنّعها عن الانتهاء. .. وفي سياق “النضال” بالكتابة يأتي كتاب “الحجاج وشرعنة الخطاب السياسي” لأحمد قادم وكمال الزماني، لتفكيك وسائل الإقناع المشروعة وغير المشروعة التي وظفها جورج بوش الابن لبيع قرار الحرب على العراق للشعب الأمريكي ومؤسساته الديمقراطية. فليس غير “الكلمة” توقف هذا الانحدار العنيف وتحدّ من آثار هذا النزيف بجعل القول طريقا للحياة وسبيلا لحفظ أرواح الأبرياء، وهو ما يراهن عليه هذا الكتاب ويؤكد عليه…

              وبصوت نسوي راسخ في الأرض متجذر في الوطن تحكي  عائشة عدنان المحمود في رواية “وطن مزور” عن يوميات البن والحنّاء، وتقصّ أحداث الحب الموؤود، والذي بِوأده وُئِدت كل الأشياء الجميلة والأحلام اللذيذة، ليعمّ الوجع وتستفحل المرارة وتتهشّم الآمال في واقع أفضل؛ فالحب في الوطن المزور ليس سوى “معضلة أخرى كمعضلة الهوية والوطن والإنسان”، مما يجعل الرواية “تجربة قرائية” ممتعة رغم كل الآلام والمعاناة  المنبعثة من كل جوانبها.

وحين نلج كتاب “الثقافات الثلاث” لجيروم كيغان نلج الإشكالات البينية للثقافة من أوسع أبوابها لكاتب أكاديمي من علماء النفس المعاصرين ومن الأوفياء لأخلاقيات التدريس. ويُعلّمنا البحث العلمي، نحن القراء، أن الفهمَ الأعمق للوضع البشري هو السبيل الأمثل للإنسان ليعيش حياة أجود على هذه الأرض، التي صار العيش فيها أصعب من أي وقت مضى، والتهديدات المتربصة بالإنسان فيها أخطر من أي وقت آخر. وفي مجال آخر من مجالات صراع القيم وتعاظم المخاطر يأتي كتاب “وسائل الإعلام والمجتمع” لآرثر أسا بيرغر ليقدم للقارئ العربي أنموذجا بحثيا فريدا لكاتب من خلفية مهنية وأكاديمية مختلفة، في موضوع له حينيته وجاذبيته كما له تأثيره وخطورته على فئات عريضة من المجتمع. ذلك لأن وسائل الإعلام تظل وسائط غير بريئة، والخسارات، وكذا الأرباح، التي يمكن أن تخلّفها غير قليلة. وهو نهج علمي في حاجة إلى تعميق، والكتاب خطوة في هذا الطريق… وفي سياق التفاعل الثقافي والحضاري يأتي كتاب “فقه الترجمة” لمحمد الديداوي ليقدم رؤية مختلفة للحوار والتبادل عبر اقتفاء تحديات “الترجمة القرآنية” ورهاناتها عبر محطاتها الكبرى؛ إعجاز النظم، وإلغاز الفهم، وإنجاز العلم. وهي أراض وعرة استطاع الكاتب أن يعبرها بفرادة وروح علمية رزينة. وضمن أسئلة الثقافة المُحرقة يقترح معجب العدواني في كتابه “القراءة التناصية الثقافية” مداخل ثقافية لمقاربة الأعمال الأكثر تأثيرا في منظومتنا الثقافية المعاصرة، وذلك لتجاوز انغلاق القراءات البنيوية، ولنسج علاقات واسعة بين الأدبي وغير الأدبي في إطار تيارات ما بعد الاستعمار والنسوية والتاريخانية الجديدة والنقد الثقافي… وفي بُعد آخر من أبعاد الثقافة وتفاعلاتها يأتي كتاب “أنثربولوجيا العواطف” لدافيد لوبروطون ليختبر آثار الأنثربولوجيا في الوجود الذاتي والجماعي للإنسان، ..باعتبار العاطفة في بعدها المفرد دلالة على علاقة معينة بالعالم، وفي بعدها الجمعي تعبيرات ثقافية عن مشاعر جماعية ليس الفرد غير الحلقة الأضعف فيها

…إن متعة الاكتشاف في النقد والثقافة والأنثربولوجيا لا تعادلها غير متعة الانوجاد في عالم يحتفي بالكتاب، والانغراس في مجتمع يعتني بالقراءة ويجعلها ممارسة يومية، وهو ما يراهن عليه مشروع “جدير بالقراءة” عبر وسائطه المختلفة

…دامت لكم متعة القراءة، ولذة الاقتراب من الكتاب